Sunday, July 03, 2005

صاحب الفرشاة القديمة والكاب المتهالك

كتبت: غادة محمد محمود




"ضاق خلقي يا صبي .. من ها الجو العصبي"
كنت أسمع الست فيروز عندما ضاق إحكام ضلوعي على قلبي.. وكاد هواء التكييف الراكد المثلج يجتث روحي من جذورها. احتقنت أوردتي وأصبت بصداع واحباط شديدين. ظللت أعبث بأقلامي وأوراقي .. أرسم دوائر ومكعبات وأشكال هندسية حادة الزوايا .. أنظر للسقف تارة وللأرض أخري ولورقة المهام بيأس مستسلم! ببساطة أكثر.. اتخنقت!

اتجهت بلا إرادية لشباك المكتب و"أهو الصهد بتاع الشارع أرحم من الجمود والفريزر اللي إحنا عايشين فيه ده". وبمجرد أن لفحنى هواء الشارع الرطب الحار، لمحته يعمل .. توقف الزمن تحت قدميه وأمام عينيه وعبوس جبينه أمام قرص الشمس. ظللت أتأمله باهتمام، وكأن لم يكن في الشارع سواه. بعدها جريت على الكاميرا وصورته. كان هذا منذ ما يزيد عن 5 شهور .. لم أكن أعرف وقتها ماذا سأفعل بالصورة .. ولا دافع تصويري له في الأساس.

ومنذ يومين قفزت صورته إلى ذهني مرة واحدة، وأنا أفكر في مقال لباب "جنة من غير ناس" الذي تقرءونه الآن، وقررت أن أحدثكم عنه. لا أعرف اسمه ..وبُعد المسافة بين شباك المكتب وبين مكان عمله لم تسمح لي بالتدقيق في ملامحه .. لكنني كنت أشعر به .. يتصبب عرقا .. يعبس .. تغيب عيناه في اللون الفضي الذي يدهن به العمود .. يضغط الـ"كاب" على رأسه بشدة فيبتل من العرق .. تتعبه شيخوخته ووهن جسمه.. لكنه رغم ذلك يواصل .. ينقلوه من مكان لآخر في ذلك الصندوق الحديدي .. من عمود لعمود .. من شارع لآخر .. ولكنه يستمر في تلوين الأعمدة بيده التي تلونت بالفضي بدورها.

عم أحمد .. أو عم رزق .. أو عم صبحي.. صاحب الفرشاة القديمة والكاب المتهالك، جعلني أشعر بالخجل من نفسي .. أنا المرفهة التي تجلس تحت التكييف وتململ من فرط الزهق وكثرة الأعمال الكتابية التي لا تستلزم أن أتحرك سنتيمترا واحدا .. وليس "البهدلة" في مثل هذا الجو القائظ وفي مثل هذه السن. ترى ما الذي يدفعه لهذا العمل المرهق؟ ترى لديه كم من الأولاد والأحفاد؟ ترى أين يسكن؟

دارت كل هذه الأسئلة في ذهني وأنا أغلق الشباك .. وأعود لمكتبي وأنهمك في عملي بشكل لفت أنظار زملائي .. واضح أن نشاطي وهمتي يومها هي التي دفعتهم لسؤالي "غادة .. هو إنتِ شفتي إيه تحت؟!"


1 Comments:

At 2:41 PM, Blogger freedom said...

so so great

 

Post a Comment

<< Home