Saturday, August 06, 2005



واحشني يا عم مختار


كتبت نوران إبراهيم

مشهد:

طفلة صغيرة تدخل من باب احدى العمارات الكبيرة؛ تؤرجح بيدها كيس من الحلويات اشترتها لتوها. تتوقف لبرهة ثم "تتسحب" حتى لا يراها رجل الأمن العجوز؛ و لكن الرجل يراها فيقول لها:
"مش تقولي سلامو عليكو؟"
يتضرج وجه الطفلة خجلا؛ و تقول بصوت خافت: "سلامو عليكو يا عم مختار!"
-"لأ أنا مش سامع.."
-"سلااااااااااااااامووووووو عليكوووووووو يااااااا عم مختاااااااااااار!!"
-"خلاص ماشي أوعي تنسي المرة الجاية!"
يبتسم رجل الأمن العجوز في رضا؛ و يغلق المصعد على الطفلة لتصعد
******************************


تلك الطفلة كانت أنا منذ عدة سنوات؛ ربما زادت أو قلت عن عشرة..و كان هذا الرجل هو عم مختار.. رجل الأمن الذي يجلس على
مكتبه سائلا الرائح و الغادي عن وجهته في تلك العمارة الكبيرة جدا "16 دور". هو من علمني كلمة "سلامو عليكم".. لم يعلمها لي أبي أو أمي؛ و لكن علمها لي عم مختار. كنت طفلة خجولة لا أقوى على رفع صوتي؛ و لكنه شجعني حتى أصبحت أقولها قوية و جهيرة:
"ده سلام ربنا؛ يبقى ناخد ثواب و منتكسفش منه؛ صح ولا إيه؟!"..
فاؤمىء خجلا..

كنت في الثامنة أو التاسعة؛ و ربما العاشرة؛ و كان هو رجلا أحسبه تجاوز الستين أو السبعين.. نحيلا أبيض الوجه أو مشرقه؛ مرتديا يونيفورم الشركة و طاقية؛ و أحيانا نظارة مستديرة.. ممسكا بسبحة متمتما بآيات و تسابيح..ما أن يسمع الآذان حتي يفرد مصليته في مكانه و تجلجل "الله أكبر" في جنبات المدخل الرخامي..و جهه يتغضن على طريقة الأجداد المحببة..لطالما أحببته ذلك الرجل..

و مع الأيام كان العم مختار يزداد نحولا و شحوبا؛ و كنت طفلة لم أفهم..ربما حتى لم ألاحظ؛ أو لاحظت و قلت أنه فقط السن.. شيئا واحدا لم يتغير: :"سلامو عليكو يا عم مختار"..."و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته يا بنتي"؛ و تلك الابتسامة الراضية أبدا..

و مرت الأيام وبدأ العم مختار في الغياب.. سألنا عنه قالوا مريض..قلنا شدة و تزول.. و كانت صورة المرض في عقلي الطفل لا تزيد عن بعض الكحة أو السخونية و شوية و تروح.. لكن الموضوع كان أكبر من كده بكتير.. و لم تزل بضعة أيام حتى وجدنا اعلانا بمدخل العمارة:
"توفي إلى رحمة الله رجل الأمن مختار..............."
لم أقرأ حتى نهايته.. لم أصدق أن ذلك الرجل الطيب قد ذهب..هاقول لمين في الروحة و الجاية "سلامو عليكو يا عم مختار"؟!.. و استوعب عقلي الطفل الحقيقة الواحدة في هذه الحياة...

و الآن جاء و رحل العشرات من رجال الأمن؛ و أنا الآن شابة اقتربت من العشرين؛ و لكن لا أملك تصرفا صبيانيا كلما مررت أمام مكتب الأمن بمدخل العمارة.. أن أمسك لساني برهة..فربما جاءني صوته "مش تقولي سلامو عليكو؟"...

واحشني يا عم مختار...


5 Comments:

At 10:07 AM, Blogger shady said...

سلامو عليكو يا نوران الحكايه حلوه وبسيطه واحلى ما فيها براءة الطفوله وطيبة البسطاء الاتقياء

 
At 5:54 PM, Blogger Hamed said...

أسلوبك لذيذ يا نوران ، فيه انسيابية جميلة .. انسيابية خلتني أترحم على عم مختار من قلبي ..

 
At 7:21 PM, Anonymous Anonymous said...

نوران قصتك ادتني معنى تاني خالص لكلمة سلامو عليكو بعد ماابتديت اخد منها موقف من ساعة ما انتشرت حكاية انك تصبح على حد ...صباح الخير، يقوم يرد و عليكم السلام و رحمة الله و كأنه بيرميها في وشك أو بيقلك يا ناسي دينك

شكرا للمعنى الجديد

 
At 4:54 PM, Blogger Nour said...

Shady, hamed & Mariam

Thank u awi awi 4 ur nice words bgad..They mean A LOT 2 me realy..
Ya rab afdal 3nd 7osn zanokom dayman..w..

Salamu 3alekom :)

 
At 12:19 AM, Blogger Hamed said...

أنا شخصياً يا مريم شايف إن السلام عليكم أجمل من صباح الخير ، لما الواحد بيقول السلام عليكم بياخد حسنات ، وبيدي اللي بيردوا عليه السلام حسنات ، وبعدين تأملي كلمات التحية وحدة وحدة كده وشوفي قد إيه هية جميلة :
السلام / عليكم / ورحمة / الله / وبركاته ..
بجد دعاء جميل ليوم جديد ..

 

Post a Comment

<< Home