Sunday, July 24, 2005

القاهرة وأنا


هي المرة الأولى التي أستقر فيها هنا في القاهرة.. كنت دائم الزيارة لمدينة الألف مئذنة للاستكشاف والبحث إلا أن هذه الزيارات كانت سريعة لا تشبع الجوع ولا تروي العطش.. إلا أنه "وعلشان خاطر عيون بص وطل" كان لا بد أن أقيم في قاهرة المعز..
وهكذا كانت فرصة لشخص "إقليمي" مثلي مبهور بالقاهرة وأضوائها أن يتأمل أحوالها ويراقبها.. في القاهرة يمكنك أن تشعر بأشياء كثيرة ومتباينة في اللحظة الواحدة.. يثيرك كل هذا الزحام والفوضى.. ويدهشك قدرة البشر على التعامل مع هذه الأمور على أنها من المسلمات.. على أنها من المشهيات التي لولالها لفقدت القاهرة مذاقها وتميزها..! ويبدو أن هذا الانسجام الزحامي الفوضوي أشبه بالفيروس.. لأني أنا الآخر لم تزد إقامتي طويلا في القاهرة حتى صرت مثل أهلها.. مستمتعا بالزحام الذي يصعب وصفه دون أن تعيشه.. تطربني أصوات الكلاكسات المتتالية التي تنطلق في الأغلب بدون داعٍ.. متفهما كيف يمكن لمسافة تستطيع أن تمشيها على قدميك في عشر دقائق أن تقطعها وأنت تركب الأتوبيس في ما يقرب من ساعة..! مقدرا كيف لسائق التاكسي أن يطلب منك بكل أريحية "ورقتين بعشرة" في نفس المسافة التي كنت تدفع فيها لسائق التاكسي في المنصورة جنيهين وأنت متأفف من كل هذا الجشع..!
ثم أن جذبتني الألعاب الرياضية التي يلعبها أهل القاهرة.. وهي فيما يبدو التي تمنحهم كل هذه النفس السمحة الرحبة التي تتقبل كل الأشياء.. أولى هذه الألعاب التي كان من الضروري أن أنجح فيها –لأن الفشل فيها يساوي حياتي– هي عبور الطريق.. حيا! وهي الرياضة اليومية التي أكسبتني رشاقة تقارب رشاقة لاعبي الباليه، وأكسبتني في ذات الوقت بعدا فلسفيا ذاتيا في معنى الموت الذي تراه يحاصرك في صورة سيارات تبحث عن هدف بشري تصطاده هو على الأرجح أنت، وقيمة الحياة التي تتشبث بها في صورة رصيف الناحية الأخرى من الشارع..!
ثم بدأت في ممارسة رياضة الجري وراء الأتوبيس.. أو وراء الميكروباص أو وراء العزيز C.T.A " الأتوبيس المكيف لمن هو إقليمي مثلي" وهي الرياضة التي كان يمارسها معي كل أهالي القاهرة في الأغلب.. والتي بتكرارها قطعت نفسي –أٌقصد- كونت لدي عضلات قوية جدا.. وهكذا كان النهار القاهري يضيع في ممارسة هذه الألعاب الخطيرة وفي الصراع مع القوى الخفية من أجل النجاح في الوصول إلى المنزل حيا باٌقل قدر ممكن من الإصابات.. وهو الأمر الذي نجحت فيه مرات كثيرة ولله الحمد.. لأواجه الحقيقة الأسخف التي كنت أهرب منها طوال اليوم: "أنت وحيد.. ستضع الطعام بمفردك.. ستجلس على المائدة بمفردك.. ستأكل الطعام البارد بمفردك.. تفتقد اللمة والهيصة ومشاغبات الأقارب والأصحاب.. تفتقد دفء الاهتمام وحنان الطبطبة.. تتكلم مع نفسك بصوت عال فيتردد صدى الصوت ليثير في داخلك فزعا لا طمأنينة"
..ياه.. كل ده يا قاهرة واحنا لسه بالنهار.. أمال بالليل إيه اللي هيحصل..؟!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home