Monday, October 03, 2005


حارة الصناديقية

وصف: حامد


ربما تظن عندما تمر أمام مدخلها الضيق المظلم أثناء العودة من إحدى السهرات الرمضانية في الحسين أنها ليست إلا وكراً من أوكار المخدرات كالباطنية التي نعرف أنها تقع قريباً من منطقة الحسين وإن لم نعرف موقعها بالضبط ..

وبصفة عامة لا يعرف الصناديقية إلا الزبائن المخضرمين في عمليات الشراء ، خاصة من نوعية أمهاتنا من محبات الفصال واللاتي يجبن السوق بأكمله للبحث عن أقل سعر لكيلو الطماطم أو الخيار رغم أن فارق السعر لايزيد في الأغلب عن شلن أو عشر قروش على الأكثر ، ولكن هذا المبلغ الزهيد على ما يبدو يسبغ عليهن إحساساً – طالما حرمن منه - بلذة الانتصار ..

والصناديقية لمن لا يعرف هي حارة صغيرة مدخلها من شارع الأزهر ومصبها في السكة الجديدة التي يطلق عليها مجازاً الموسكي ، والصناديقية بالمناسبة هي المصدر الرئيسي الذي يشتري منه كل باعة الأوتوبيسات الجائلين بضاعتهم (ولا استغلال المحلات يا أستاذ) ..

أما بالنسبة لي فلم تكن الصناديقية مجرد سوق قديم فحسب ، ولكنها كانت مرتبطة دائماً بموسم المدارس ، وبالخوف الذي يتكرر في بداية كل عام من صعوبة هذه السنة لدراسية بالذات دوناً عن كل السنين ، فكان النشاط التجاري الرئيس للصناديقية في آخر شهور الصيف هو بيع الكشاكيل وجميع الأدوات المكتبية بسعر الجملة طبعاً ..

وكانت التقاليد و الأعراف العائليية تقضي بأن نتناول الغذاء في بيت جدتي بالحسين في أول جمعة بعد بداية الدراسة وبعدها نتجه إلى الصناديقية لنشتري لوازم المدرسة ، تكون معنا قائمة بالكشاكيل التي طلبها مدرس كل مادة ، و ألوان الجلاد ، الأقلام و المساطر و البرايات و الأساتيك الملونة التي تكفينا طوال التيرم ..

أذكر سؤال أمي الدائم عن كشاكيل الشمرلي الأسطورية التي لم نعثر عليها أبداُ و لا أعرف إلى الآن سر إصرار أمي عليها ، و أذكر تحذيرها المتكرر لنا بعدم شراء ألوان الفلوماستر من الصناديقية لأنها تكون دائماً ناشفة !
كانت تتركنا نذهب أنا و أخي إلى الصناديقية بينما تنتظرنا هي في بيت جدتي بعد أن تكون قد راجعت معنا للمرة الألف طرق الفصال و متوسط أسعار الكشاكيل هذا العام ، ومع ذلك ما إن نعود بالمشتروات حتى تبدأ في ممارسة هوايتها الأثيرة في تقييم أسعار ما اشتريناه ..وتكون النتيجة دائماً :
إنتم إتضحك عليكم !

مازلت اشم رائحة الصناديقية العجوز إلى الآن ، الحارة الضيقة ، الازدحام ، الأرض غير الممهدة المليئة بالمرتفعات و الوديان ، ودائماً العربات الحديدية الضخمة المحملة بالبضائع و التي يجرها شباب مفتولو العضلات بشقون الزحام بسرعة كبيرة و على الجميع أن يفسحوا لهم ..
ما زلت أشم رائحة المسلي الدسمة الذي يخزن في براميل كبيرة ، ويبيعه عدد من محلات الصناديقية للناس في أكياس باستخدام أكواز صفيحية ..

لا أدري لماذا هفت على أنفي رائحة الصناديقية اليوم بهذه الكثافة ، ربما لأننا في نهاية فصل الصيف ، أو ربما لأنني و لأول مرة من 18 عاما لم أعد طالباً كما كنت طوال حياتي ، أو ربما لأنني رأيت مع أحد الأشخاص كشكول الشمرلي الذي لم أعثر عليه طوال سنوات الدراسة و أصر صاحبه أنه قد اشترى دستة منه من حارة صغيرة في الأزهر اسمها الصناديقية !!!

3 Comments:

At 1:49 PM, Blogger shady said...

على فكره كلام الست والدتك سليم كشاكيل الشمرلى رائعه وكنت أحرص على شرائها وكانت متوفره عندنا
مش عارف هى أختفت بعد كده ولا ايه اصل الكلام ده من زمان يا حامد يا بنى

 
At 11:14 PM, Blogger ROMANTIC ROSE said...

ما اجمل ذكريات الماضي .. للاسف كبرنا بسرعه و ما عرفناش قيمة الايام دي الا دلوقتي .. ساعتها كنا نفسنا نكبر .. و اديما كبرنا .. و بعدين ؟

 
At 4:07 AM, Anonymous Anonymous said...

This is very interesting site... »

 

Post a Comment

<< Home