Monday, September 05, 2005



السقـــا عــــاش

كتب: حامد
لست صوفياً ، ولا أؤمن بكرامات أصحاب المقامات و أسرارهم الباتعة ، ولكني اشهد أن لجامع الحسين عطراً خاصاً يختلف في أنفي عن شذى أي مسجد آخر ، و المبهر أن هذا الأريج لا يقتصر على جامع الحسين فقط ، بل يفوح منه إلى كل المنطقة التي تجاوره ، ربما يكون هذا لأن السيارات لا تمر من أمامه كما هو الحال مع السيدة زينب مثلاً ، مما يعطى إحساساً هائلاً بالاتساع و الرحرحة ، أو ربما لأن منطقة الحسين مرتبطة بالنسبة لي بطقوس خاصة منذ الصغر ، طقوس زيارة بيت جدتي يوم الجمعة و الذي يطل على جامع الحسين مباشرة ، وطقوس الفرجة على الناس وعلى خيام الخدمة التي تقيمها الطرق الصوفية المختلفة للقادمين من كل مكان أثناء مولد الحسين ..
ووسط جلبة باعة الطبول الفخارية الصغيرة ، وكتب السحر و الصاجات و الحلوى الملونة و البخور و إكسسوارات البنات الفالصو ، يقف هذا الرجل ليتم صورتي الخاصة عن الحسين ..
أأصفه لكم ؟ أم أنكم تعرفونه ؟


لا ريب أن أحدكم قد لمحه أمام الباب الكبير الذي يطل على ساحة الحسين مباشرة ، أو حتى قد يكون روى عطش البعض ..
الحقيقة لا يهمني أن أذكر أنه شيخ قصير القامة تحيط بوجهه المحمر لحية بيضاء صغيرة ، ولن أحكي عن ال(سطيح) البني الذي يرتديه ، وهو صديري جلدي يحمي به جسده النحيل من أن يبتل ، ولا يعنيني أيضاً أن أشير إلى قربته الجلدية السوداء و أكوابه المعدنية الصغيرة ومياهه المثلجة دائماً والتي تفوح منها رائحة الماورد ..


ما يعنيني حقاً هي تلك الهالة التي تشع من عينيه اللتين تحار في تحديد لونيهما ، وتحيط بوجهه المجعد كهالات القديسين ، هالة الرضى عن الله ..


لطالما تساءلت وهو يسقيني من أين يقتات هذا الرجل الذي ما إن تنتهي صلاة الجماعة في الحسين حتى يحمل قربته ويسرع بهامته المحنية إلى باب المسجد وهو يتمتم بختام الصلاة ليكون في استقبال المصلين الخارجين من المسجد ..
نعم ، من أين يأكل هذا العجوز أو كيف يعيش في دنيتنا هذه وهو لا يبيع الماء ولكنه يسقي الجميع بلا مقابل اللهم إلا تلك القروش القليلة التي يدسونها في جيبه ، وكأن مهمته في الحياة هي القضاء على العطش الكامن في الحلوق ..
ولم أعثر على إجابة لهذا السؤال أبداً ، و إن كنت كثيراً ما أذكره و أنا أمر أمام مسجد الحسين و اتأمل الموقع الشاغر الذي كان يشغله السقا العجوز لسنوات طويلة ، وأدعو له بالرحمة ..

5 Comments:

At 10:04 AM, Blogger Nour said...

الله يرحمه و يسقيه من يد الرسول الكريم في الآخرة كما سقانا في الدنيا

حاسة بطعم المية الساقعة من إيده في بقي يا حامد والله

وصفك جميل قوي كالعادة طبعا :))

 
At 10:35 AM, Blogger بنت مصرية said...

الله يرحمه ويرحمنا جميعا

ناس كتير فى الدنيا حوالينا بيسقونا ميه ومايجيش فى بالنا غير بعد الرحيل

 
At 5:26 AM, Blogger Doaa Samir said...

بل كانت مهمته في الحياة هي القضاء على العطش الكامن في القلوب... تخيل ماذا كنت أسمع يا حامد وأنا أقرأ "السقا عاش"؟!! موسيقى عرق البلح.. يعني كله حنين × حنين
وعطش × عطش.. لمحت نظيره أمام مسجد السيدة زينب يا حامد وكدت أنحني من حمل علامات التعجب والاستفهام التي أثقلتني مع ما تسببه بداخلي من انعكاسات لا أدري من أين تجد المساحات لتنطلق فيها فترجع لي أكبر وأعظم وأعقد وأطول؟!! بالطبع لا أجد إجابة ترضي الجزء المادي الملوث المفروض والذي يؤمن بأنه لا أحد يستطيع العيش هكذا.. فأتذكر أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين... وإنهم ممن يطلق عليهم بحق إنهم على باب الله ومن يهب نفسه لله...ــــــــــــــــــــــ
روحت عني بتذكره يا حامد.. يا بخته!! د

 
At 5:23 PM, Blogger Hamed said...

الحمد لله إنها عجبتكم ، و أعتقد إن السبب الوحيد اللي يخليها تعجب إن السقا كان راجل طيب فعلاً ..
عارفين .. موضوع الناس اللي بتختفي فجأة من غير مقدمات ده بيتعبني قوي ، إني أروح أزور جدتي في الحسين بعد فترة انقطاع مثلاً بسبب الامتحانات وملقيش السقا أو بتاع البخور المقعد اللي تحت البيت ، بحس ساعتها إني عاوز أضرب نفسي بالجزمة إني معرفتش الناس ده أكتر و أكتر ، إني مكلمتهمش أو عرفت أساميهم حتى ، يا ترى السقا ده مثلاً كان اسمه إيه ؟ أو بيسقع المية إزاي كده ، شئ مؤلم الناس اللي بتختفي مرّة واحدة دي ..
معاكي حق يا بنت يا مصرية ، المشكلة إننا مبنخدش بالنا غير لما منلقهومش حوالينا مرّة واحدة ..
الله يرحمه يا نور رحمة واسعة يا نور ..
يا بخته فعلاً يا دعاء ..

 
At 9:00 AM, Blogger Ramy Ibrahim said...

رأيت نظير من تتكلم عنه يا حامد منذ صغري، فعندما كنت أخرج لصلاة التراويح في جامع "إبراهيم الدسوقي"-وهو الأكبر في مدينتي- كنت ألمحه فور إنتهاء الصلاة، ولأن معظم المصلين عادة ما يكونوا عطشى بعد طول الوقوف في الصلاة، تجدهم تجمعوا من حوله،وتراه واقفاً يميل جانباً بقربته، ويصب الماء في فخر للناس قائلاً لهم أنه من بركة صاحب المقام، فكنت أشرب من ماءه المثلج لا لشيء إلا لأرى نظرة الفخر تلك في عينيه، واستمر ذلك حتى رمضان الفائت، والحقيقة انني أنوي إن شاء الله أن أفتش عنه فور إنتهاء الصلاة هذا العام لأشرب من الماء المورَّد الذي يقدمه، ولعلني لن أراه وعندها سأتذكر ما قالته بنت مصرية

الله يرحمه ويرحمنا جميعا

ناس كتير فى الدنيا حوالينا بيسقونا ميه ومايجيش فى بالنا غير بعد الرحيل

 

Post a Comment

<< Home